الهجرة الغير شرعية من قطاع غزة خطر داهم للوجود الفلسطيني

الهجرة الغير شرعية من قطاع غزة

خطر داهم للوجود الفلسطيني

 

الهجرة بمعناها المتداول اليوم، هي الانتقال من دولة نامية ذات إمكانات وقدرات ضعيفة، إلى أخرى تتوفر فيها إمكانات اقتصادية عالية ومستوى معيشي مرتفع يسعى اليها الشاب المهاجر.
وهذه الهجرة التي تتم اليوم بطريقة غير شرعية من قطاع غزة عبر شواطئ بحر مدينة الإسكندرية في مصر، وصولاً إلى سواحل إيطاليا، عن طريق شبكات التهريب التي استطاعت بأساليبها الخاصة تهريب ما يقارب الـ90% من حالات هجرة الشباب الفلسطينيين إلى الغرب

تلك الهجرة التي تنامت بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة (2014) حيث دعّمت هذه الحرب فكرة الهجرة لدى الكثيرين من طبقات الشباب، للبحث عن فرص عمل، بعدما ضاقت الأرض عليهم بما رحبت، وسط حصار إسرائيلي خانق من شتى الجهات منذ ثماني سنوات متواصلة..حيث لا معابر مفتوحة في قطاع غزة، من شأنها أن تيسر عمل الفلسطينيين وتوفر لهم لقمة عيش كريمة، وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الخريجين، وفقدان الأمل منذ سنوات عديدة في إيجاد فرصة عمل، بالتزامن مع هذه الظروف القاسية سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ونفسيا، شكلت دوافع قوية للبحث عن طرق غير مشروعة للخروج من القطاع.

وحتى الآن لا إحصاءات دقيقة حول أعداد من غادروا غزة، بحثًا عن الاستقرار والأمن الوظيفي، ولا أعداد من غرقوا ومن نجوا..وهناك شخصيات وسماسرة معروفين يقومون بعملية الترتيب إلى عمليات الهجرة غير الشرعية، من خلال إخراج الراغبين بالهجرة عن طريق أحد أنفاق التهريب جنوب قطاع غزة إلى الجانب المصري من الحدود، وهناك يجري نقلهم إلى مدينة الإسكندرية محطة الانطلاق، ليتولى أمر سفرهم أشخاص معروفون لديهم.

ويتم إيصال هؤلاء المهاجرين بعد عبورهم الحدود المصرية إلى مدينة الإسكندرية، وهناك يجري استقبالهم واستضافتهم حتى موعد تحرك المركب، الذي ينطلق عند اكتمال الأفراد.
وتبلغ كلفة الشخص الواحد في أغلب الأوقات للوصول إلى أوروبا من قطاع غزة نحو خمسة آلاف دولار أمريكي -بالعادة تتم عملية الهجرة لسكان من غزة ميسوري الحال قليلاً، حيث لا يستطيع عامة السكان الفقراء جدا على تكاليف رحلة السفر- يأخذ صاحب المركب تقريبًا نصف هذا المبلغ، في حين يذهب الجزء الآخر إلى تكاليف السفر لمصر لمدينة الإسكندرية، وينطلق هذا المركب الصغير -الذي يضم عادة مهاجرين من غزة ومن سوريا ومن العراق وأفارقة- باتجاه إيطاليا حيث يرسو في المياه الإقليمية هناك. ويبلغ السلطات وخفر السواحل عن حمولته من المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم إنقاذهم ومن ثم يتقدمون بطلبات اللجوء.
ومن إيطاليا ينطلقوا إلى بلدان أوروبية أخرى كالنرويج أو السويد أو بلجيكا، لطلب اللجوء.
وأن عددًا من المهاجرين الذين وصلوا بعد مغادرتهم القطاع إلى محطتهم الأخيرة في بلدان أوروبية بعد أن حطوا في إيطاليا، وتم تسكينهم في مخيمات خاصة، قبل أن يمنحوا اللجوء.

وخطورة ظاهرة الهجرة الشبابية إلى الخارج، من قبل شباب فلسطين تكمن في أنهم يذهبون إلى مستقبل مجهول, بسب الضغوط الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها الأوضاع السائدة في فلسطين عامة وقطاع غزة بصفة خاصة.. والكثير من الشباب المهاجرين تعرضوا لعمليات خداع ونصب واحتيال وابتزاز، وهم يظنون أن الأمر سهل وأنهم سيجدون مفاتيح الجنة أمامهم بمجرد وصولهم لتلك الدول.

الفلسطينيون يشخصون اسباب الهجرة:

إن هجرة الشباب الغزي إلى خارج القطاع، كانت بسبب عدة أسباب، تتمثل أهمها في التالي:

-الاحتلال وممارساته العدوانية:

إن ازدياد وتيرة الهجرة غير الشرعية للشباب الفلسطيني من قطاع غزة مؤخرا، اسفرت عن وفات مئات المهاجرين غرقا.. ويعود في المقام الأول إلى الاحتلال الإسرائيلي والحصار والعدوان المتكرر، وخاصة العدوان الأخير الذي ساهم في ازدياد حركة الهجرة نتيجة لما أسفر عنه من  استشهاد ما يزيد عن 2100 مواطن، واوقع ما يزيد عن 11000 جريحا.
لقد تنامت بعد الحرب الأخيرة عام 2014م، ظاهرة الهجرة الغير شرعية في قطاع غزة لدى شرائح واسعة من الشباب الفلسطيني، وازداد الأمر خطورة في كونه لم يقتصر على هجرة للشباب فقط، بل امتد إلى هجرة بعض العائلات، وهذا أمر غير طبيعي ولا يحدث إلا في البلاد غير المستقرة والتي تعاني من اضطرابات..ويأتي التخوف الفلسطيني من هذا الأمر لأن للحالة الفلسطينية خصوصية حيث أن الاحتلال يقوم بسلب الأرض وتهجير سكانها حتى تخلو له، وخاصة أن الهجرة تستهدف فئة هي أهم فئةٍ في ميدان المجابهة مع الاحتلال، وهي عماد الوطن ومجتمعه وسنده في الحرب والسلم.

-مؤامرة لتفريغ الوطن من الشباب:

قضية الهجرة باتت اكبر من قضية هجرة للخارج أو تحسين معيشة والحصول على عمل, فبعض الدول الغربية باتت تؤدي دورا وظيفياُ يخدم الاحتلال الصهيوني وذلك لإبعادهم عن وطنهم وقضيتهم الأولى والرئيسية والمشروعة ، لان الشباب هم المادة الخام الأولى المقاومة لهذا المحتل، وهم الفئة الأقدر في المجتمع على البناء والتنمية .

كما تكمن خطورة الهجرة، في ما نسميه بهجرة العقول أو الأدمغة أو أصحاب الشهادات العليا، لأن أوطانهم لا توفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلدانهم أو من الخارج. لأن بلدانهم تخسر عليهم ملايين الدولارات، بالإضافة إلى أنها تضطر لاستقدام معادليهم من الدول المتقدمة، فيشكلون بذلك خسارة كبيرة لدولهم وبلدانهم. ولذا يجب توفير العمل لهذه العقول وأصحاب الكفاءات مهما كلف الثمن بدلاً من تركهم يهاجرون مرغمين.

وهناك الشبكات تمارس دورا هاما في انتشار الهجرة السرية غير الشرعية، وهي شبكات متعددة الجنسيات تستغل الظروف الصعبة التي يعيشها الأفراد، وتجمع من ورائهم مبالغ مالية طائلة بعد إغرائهم في ترحيلهم إلى دول استقبال الهجرة السرية، مما سوف يؤدي الى تفريغ الوطن الفلسطيني من العقول والكفاءات العلمية والمهنية.
الاحتلال والمعاناة اليومية:

زادت في الآونة الأخيرة حدة الخلافات التي أثارتها قضية غرق عدد من المهاجرين الفلسطينيين من قطاع غزة في عرض البحر المتوسط.

وفتحت قضية غرق سفينة المهاجرين، سجالاً واسعاً بين أقطاب المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، كان عنوانه الأسباب التي تدفع بالشباب الفلسطيني وبالعائلات إلى ترك القطاع والتوجه إلى أوروبا من خلال طرق غير شرعية، وبظروف سيئة وشروط مجحفة.
صعوبة الحياة في غزة:
أنه من الناحية اقتصادية والاجتماعية، لم يبقَ أي أفق للحياة في غزة، وهذا أمر معروف ولا يحتاج لأي شواهد أو أدلة، وهو نتاج للحالة السياسية الداخلية، ويتحمل وزرها الفصيلين السياسيين الكبيرين على الساحة الفلسطينية فتح وحماس حتى ولو حاولا رمي هذا الوزر على شماعة الاحتلال الإسرائيلي، ويضاف ذلك على الظروف الاقتصادية حيث انعدام فرص العمل وعدم تكافؤها والفقر.

سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب التنمية وتفشى البطالة فى صفوف العديد من الخريجين  الحصار الإسرائيلي للقطاع:
إن الحصار الإسرائيلي للقطاع، وما نتج عنه من تدهور في الاقتصاد وارتفاع معدل البطالة لتصل إلى 60%، دفع العدد الأكبر من الشباب الفلسطيني للهجرة بحثا عن الحياة الكريمة والرفاهية والتطور في الدول المتقدمة بعيدا عن الحصار والشعور بالاضطهاد وعدم الاستقرار والخوف من المصير والمستقبل المجهول في ظل الاحتلال غير الشرعي.
والإعلام ساهم بشكل كبير في حركة الهجرة، لأنه لعب دور أساسي في تقديم الصورة المثالية للعيش الكريم والرفاهية والتمتع بحقوق الإنسان كافة في الدول المتقدمة وهو ما رفع الرغبة في الهجرة بأي طريقة كانت.

الضغوط النفسية والاجتماعية:

أن الأسباب النفسية والاجتماعية كان لها دور هام في تحفيز الفرد على الإقدام على الهجرة السرية والتمسك بها انطلاقا من الوسط الذي يعيش فيه، حيث تتكون لديه رغبات وطموحات يحاول تحقيقها.

وحالة الإحباط التي تسللت إلى نفوس العديد من أبناء القطاع بسبب ممارسات الاحتلال وخيبة الأمل من الأنظمة العربية وكذلك من ضعف أداء الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، وانسداد الأفق السياسي نتيجة للانقسام الفلسطيني .
طرق الوقاية والعلاج لهذه الظاهرة :

الشباب بحاجة كبيرة لإعادة تأهيل ثقافي ونفسي لهم، وهم بحاجة لاحتواء وتلبية احتياجاتهم, ومحاولة الاستماع إليهم وتوفير متطلباتهم، ولو الحد الأدنى منها, وتنمية المسؤولية المجتمعية لديهم, وأهمية دورهم في المجتمع وتوعيتهم بخطورة الهجرة للخارج, فالمجتمع الفلسطيني بحاجة ماسة للشباب, فبهم ينهض ويرتقي الوطن, وعلى كل شباب أن يتمتع بمستوى عال من الاحترام للنفس وثقة المجتمع به .

– ويجب أن يتوفر الحد الأدنى لمتطلباتهم بتوفير فرصة عمل مؤقتة أو توفير أندية اجتماعية يندمجون بها، ويتحدثون من خلالها عن مشاكلهم النفسية والمادية والاجتماعية..الخ.

فالشباب هم طاقات كامنة يمكن استغلالها من خلال توضيح دورهم في المجتمع، وتوفير عدة مشاريع خاصة تحتويهم وتقوى من قدراتهم .

– كافة المؤسسات في المجتمع الفلسطيني بالمساهمة في توعية الشباب الفلسطيني بعدم التطلع إلى الهجرة خارج الوطن، مستخدمة كل الوسائل الممكنة كافة، بهدف تثبيت الوجود الفلسطيني على أرضه، لان هذه الهجرة تصب في خدمة ومصلحة الاحتلال بتفريغ الأرض الفلسطينية المحتلة من السكان والكفاءات، وبالتالي إضعاف الوضع الداخلي الفلسطيني اقتصاديا وثقافيا وتعليميا وسياسيا وفي جميع المجالات.
– كما يتوجب وضع أسس جدية لمعالجة ظاهرة الهجرة الفلسطينية غير الشرعية من قطاع غزة المحاصر، والعمل على توفير فرص عمل مناسبة للمواطنين لحثهم على عدم الهجرة وترك وطنهم وأرضهم.

 

بقلم الدكتور/ خضر عباس

  1. أضف تعليق

أضف تعليق