أرشيف لـ25 أفريل, 2011

مفهوم التقاعس/ أو النظريين

مفهوم التقاعس/ أو النظريين

كثير من الناس ما يملأ الدنيا ضجيجا وصراخا.. يوزع يمنا وشمالا، الأوصاف والتوصيف للأفراد والمواقف.. ويجعل من نفسه محط أنظار للآخرين.. لا يعجبه أي رأي، ولا يقنعه أي موقف، ولا يسلم بأي إتجاه. ولكنه في نفس الوقت يترفع عن كل سلوك، وكل نشاط وعمل، تحت مظلة البتر والتذمر.
إن الحقيقة السلوكية لهذا الشخص.. غاية في الخوف والجبن، الخوف من الفشل. والجبن من العمل.. إنها شخصية هشة لا تملك مقومات العمل والممارسة.
إن هؤلاء المتقاعسين.. يغطون عجزهم بكثرة النقد، واللوم بالآخرين، وإذا طلب منهم القيام بأي عمل فإنهم أعجز من تنفيذه، أو حتى تحقيق أدنى النجاح فيه.
إنهم في الحقيقة مجرد أناس نظريون.. قد يتفننون في إلتقاط أخطاء الناس، ولكنهم أسرع الناس في للوقوع في الأخطاء لو أدوا أي نشاط.
بقلم الدكتور/ خضر عباس

أضف تعليق

لا ترهن عقلك لقلبك

لا ترهن عقلك لقلبك

إن من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل للإنسان مداخل للإدراك متنوعة منها ما يشق طريقها عبر العقل ومنها ما يشق طريقها عبر القلب.
ومن خلال هذين المدخلين هناك أمور تستلزم الدخول للقلب،وهناك أمور تستلزم أن تدخل العقل،وفي نفس الوقت تستوجب الاختلاف في المخارج بين مخارج القلوب(ماينتج عنها) وبين مخارج العقول(النواتج).
ويجب لذالك أن يتعلم المسلم الحق الفصل بين شؤون هاتين الأداتين للإدراك البشري وكذلك بين مداخلها ومخارجها، فحين تتوافق عقولنا مع قلوبنا فهذا هو الحق لقوله عليه الصلاة والسلام”استغنى قلبك ولو أفتوك”
إن علينا أن نوظف ما وهبنا الله توظيفا سليما ، حيث من الخطأ أن نستخدم العقل في الأمور العاطفية ولكن من الصواب أن ننصب العقل ميزانا عدلا على هذه الجوانب العاطفية كي لايحيد عن التوازن بالغلو أو التفريط.
مصداقا لقوله الرسول صلى الله عليه وسلم”أحب حبيبك هونا ماعسى أن يكون عدوك يوما ما،وابغض عدوك هونا ماعسى أن يكون حبيبك يوما ما” حتى ونحن نختلف مع الآخرين علينا أن نتعلم الفصل بين شؤون العقل وشؤون القلب، حيث لابأس أن تحاور احدهم ولا تصل لنقطة التقاء في الحوار والنقاش معه ،ولكن من الخطأ أن ننقل هذا الاختلاف إلى خلاف يمس المشاعر والعواطف وبالتالي نتخذ موقفا عاطفيا سلبيا يعمد بمشاعر الكراهية والبغضاء.

أضف تعليق

تغول الجانب السياسي على حساب العمل الاجتماعي:

تغول الجانب السياسي على حساب العمل الاجتماعي:
يتمدد تغول الجانب السياسي احيانا على الجوانب الأخرى في الحركة، بانشغال القيادة عن الأهداف التي قامت أصلا لتحقيقها، الى امور مرتبطة بالحراك السياسي ومصالحها ومصالح نخب معينه، بدلا من الوظيفة الاجتماعية النهضوية للحركة.
أي أن الحركة اصبحت تتعامل مع السياسة كمغنم، وأن تستثمر كل امكانات الحركة من أجل مغانم سياسية لاشخاص معينين، فاختزل العمل الدعوي والاصلاحي والتربوي والخيري والمسجدي لأجل مكاسب سياسية محدودة هزيلة، وصار الناشط أكبر همه النجاح في مجلات العمل السياسي ولو على سلب الديني.
ان هناك عملية اختطاف للحركة لصالح نخبة تريدها أن تكون حركة مقزمة، وأنّ هناك تواطئاً على أن تكون الحركة ممثلة لهم، وتعبر عن مصالحهم ومطالبهم في المرحلة القادمة، بينما موضوع العمل الوطني والاسلامي للحركة الوطنية فهناك إجماع منها على استبعاده، واتفاق ألاّ تشتغل الحركة في العمل الوطني، أو حتى أن يكون هناك عمل وطني مستقل لها عن الاخرين، فهناك فراغ قاتل للحركة في الواقع، فتخلت عن مطالبها الوطنية الإصلاح، بمحاربة الفساد، وإصلاح المؤسسات، وتنمية المجتمعات الأهلية، وهذه المسائل غابت تماما عن برامج الحركة، ولا أحد يلتفت لها اليوم!.
وحتى العمل السياسي نفسة فقد تحول إلى عمل جهوي يعبر عن مصالح ومطالب جهات أو دوائر ضيقة للحركة، وغاب الدور المؤسساتي للحركة فلم يعد رقابة، وصارت النخب التنظيمية نخب مطلبية تعبر عن مطالب معينه أو مجموعات معينة.
أي أن الصورة التي كانت عليها الحركة، قد حدث اجتياح واختطاف لها، فهناك أشخاص هم علمانيون على الطريقة الإسلامية، أو إن شئت أن تقول: لا دينيون في رداء اسلامي.
أن الحركة قد ركزت في السابق على الجوانب الأيديولوجية والسياسية معا، وركزت على التربية الاجتماعية، وأيضاً على التربية الثقافية والفكرية.. واليوم تقدم السياسي على الثقافي والفكري..واصبحت معنية أساساً بالتنظيم والصراع السياسي، ولم تعتن بالتربية الاجتماعية قدر عنايتها بالتربية الحركية.
فالمناهج التربوية في الحركة كانت تستهدف تربية وتنشئة الشاب المنتمي، ولم تهمل في المقابل، التواصل الاجتماعي والإعداد الفكري والثقافي لقاعدتها، واليوم اصبحت لا تربي مطلقا على هذه الاسس.. والنتيجة الطبيعة لهذه المناهج غير المتوازنة أن أصبحت القاعدة العريضة من شباب الحركة يجيدون العمل الحركي الشكلي، وما يتطلبه من قدرة على التنفيذ، وفي نفس الوقت أصبحوا يفتقدون القدرة على المبادرة على أي مستوى من المستويات، حتى على مستوى تكوين رأي في القضايا اليومية العامة.
وهكذا فقدت الحركة المبدعين أصحاب الفكر الذكي منها، ومع الوقت تحول التنظيم إلى آلة من الممكن أن يتحكم في توجيهها إنسان متواضع الثقافة والرؤية والأفق، ولأن الأمور داخل التنظيم تركز على الطاعة والولاء الشخصي، وليس على قيم التواصل مع الذات والمجتمع، وتحول العمل الإسلامي إلى وظيفة وروتين يتقلده الأكثر طاعة وولاءً، وليس الأكثر ذكاءً ووعياً وعطاءً، فزاد التزلف التنظيمي لدى الشباب، في الوقت الذي قلت فيه خبراتهم الاجتماعية، وعمقهم الثقافي والفكري.

أضف تعليق

الخروج من جيتو التنظيم الى رحاب المجتمع

الخروج من جيتو التنظيم الى رحاب المجتمع

ان على الجيل الجديد في الحركة ان يراجع اليوم البرامج والمواقف والتاريخ الذي مرت به الحركة.. ويحاول الخروج من جيتو التنظيم إلى شوارع الاوطان، ومن هموم الحركة ومصالحها إلى هموم الشعوب ومصالحها، ومن طوباوية الشعارات إلى قسوة البرامج والتفصيلات، ومن مطلقية الصواب في الأفكار والمباديء، إلى اسلوب البحث والاختيارات المرهقة..مما يوفر لهذا الجيل أفضل التربية، التي هي أجدى من منطق المربي القدوة.
انه ليس ممكنا ولا مطلوبا أن تنهض فئة قليلة من ابناء لحركة تعمل وحدها، وتتحمل أعباء الدعوة للاصلاح، في حين يقف المجموع الباقي يراقب وينظر، أو يحارب ويعوق، ولكن المطلوب تأهيل الجميع لتحقيق شروط الإصلاح، وليكونوا قادرين على أداء دورهم المطلوب
وإن من الظواهر السلبية في الحركة، والتي ينبغي الالتفات إليها والاهتمام بها، الاعتقاد السائد لدى قطاعات واسعة من الحركة أن التنظيم غاية في حد ذاته، وأن الإسلام لن يعود لسابق مجده إلا من خلال التنظيم. وسادت ثقافة التنظيم والاهتمام به على ما عداها من القضايا، وباتت خدمة التنظيم هي الهدف الأساسي، وليس خدمة المجتمع وعوام الناس، وأصبح فهم ووعي الشباب للقضايا العامة وتفاعلهم معها يغلب عليه العمومية والكسل في التتبع الثقافي للقضية العامة، والرومانسية الحالمة البعيدة عن الواقع، وذلك لأن الوعي بالقضية العامة يقررها التنظيم، والعضو يريح نفسه ويعتمد على الثقافة التي يتيحها له التنظيم.
وهكذا فإن التنظيم أوجد في المنتمين إليه عقلية شبه سطحية وغير عميقة، فاصبح الاخ لا يهتم ولا يدرك إلا المباشر، ولذا نجده لا يتفاعل مع القضية العامة إلا بمقدار ما يكون له صلة بما يقوله التنظيم أو يمارسه. وهذا يفسر ضعف ثقافة أعضاء الحركات في التفرقة والتمييز بين ما يمكن أن يؤثر على الحركة مباشرة وما قد يؤثر عليها أكثر ولكن بطريق غير مباشر.
ان أعداء الحركة وكارهوها يعملون جاهدين على أن تظل الحركة سطحية الثقافة معتمدة على الآليات المباشرة في الفهم والحركة، لذلك فهم يعملون على توفير فرص التعبير الديني الشكلي والظاهري لها، وفي نفس الوقت يبذلون كل الجهود الممكنة لمنع الحركة من اكتساب الخبرة السياسية والاجتماعية الناضجة، والتي تمكن الحركة من أن تصبح مستقبلاً بديلاً كفؤاً للتيارات الاخرى كانت أم ثقافية وفكرية، وذلك باتضيق حتى الخناق على مفكريها ليغادروها.

أضف تعليق

أزمة العقل الحزبي

أزمة العقل الحزبي

إن اخطر ما يواجه العقل المسلم هو طريقة تعاطيه مع الأمور في المرافق الحياتية، وليس مع المواقف العباديه (الشعائر التعبدية) حيث أن هناك خلط كبير بين شرعنه السياسة والسياسة المشرعنه…
فشرعنة السياسة..هي القرارات السياسية الحياتية العملية التي تتخذها القيادة الإسلامية لمعالجة مواقف حياتيه يتسع المجال فيها للاجتهاد والرأي والمشورة وحتى لو كانت مواقف وأراء عسكرية..
ويقوم القائد المسلم بشرعنتها.. لكي يقطع الطريق على معارضتها، ويسلم بها أتباعه كأنها جزء من الشريعة الإسلامية..والتي يخرج فيها الإنسان من ربقة الجماعة،وبالتالي يخرج من ربقة الأمة، خاصة إذا الحركة قد وصفت نفسها أنها الحركة الربانية الوحيدة،وفسرت النصوص في الفرقة الناجية بأنها المقصودة لا غيرها..
ولكن هذا الفهم لم يكن في صدر الإسلام،وفي حضرة الرسول الأعظم ،ولم يلقن المسلمون الأوائل رغم كونهم هم الفرق الناجية,, حيث تنقل لنا السيرة العطرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر عدم توبير النخل ،ظانا منه انه توبير النخل (تلقيحه) مراجعة الصحابة..واعلموه بضرورة التلقيح.. فما كان منه عليه الصلاة والسلام ،إلا أن اقتنع برأيهم .. وهكذا كمثال اقتصادي.
إما كمثال عسكري..فالمواقف كثيرة حيث قال الصحابة يوم بدر..أمنزلا أنزلتنا إياه من عندك فهو الرأي والمشورة أم هو أمر من الله-فقال بل هو الرأي والمشورة..فأشاروا عليه بتغيير التجمع العسكري لمكان أخر..فوافقهم الرأي..ولو أن محمدا صلى الله عليه وسلم كبعض المتفيذين اليوم من حالفهم الحظ فأصبحوا قادة ومسئولين..لسارع إلى شرعنه السياسة..وكان الأمر لاجدال فيه ولا خلاف..وكأنه نص من نصوص الله سبحانه وتعالى.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبتز أصحابه أو يحجم عقولهم..كما يحدث اليوم عند بعض الحركات الإسلامية، حيث تعيش ازمه الفكر والتربية فتصور أن الطاعة، وعدم المخالفة (أي الجماعة)والرأي القائد والمسئول، هو خروج..عن الدين.. بل هو جريمة قد تعادل الرده عن الإسلام، وربما يعامل من يحاول القيام بذلك كالمرتد والكافر الذي لاتوبه له مطلقا..
أما السياسة المشرعنه فلا غبار عليها..باعتبارها عملية ضبط وتقويم وقياس للسياسة وفق الأصول والقواعد الشرعية العامة..بحيث لايجوز لأي اجتهاد سياسي أن يخرج عن الإطار الشرعي وهذا مايميز القرار السياسي الإسلامي عن القرار السياسي غير الإسلامي ،باعتبار أن الأول يصدر عن مجمل ومجموع القواعد الاسلاميه العامة للشريعة الغراء..فلا يجوز مثلا بأي حال من الأحوال.. التمثيل بالجثث تحت ذريعة أن ذلك يخيف العدو،ويصلح لإرهابه أن تخويفه..لان الشريعة الغراء تحرم تحريما أبديا مطلقا هذا العمل تحت أي ظرف وأي حال..وإلا لقام رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقاما لهمة حمزة الذي مثل الكفار بجثته،أن يمثل بحجتهم..وهكذا…
إن الفرق بين السياسة المشرعنه، وشرعنه السياسة كبير جدا..لان المصطلح الأول لاغبار عليه،في حين يطمئن الثاني العقل المسلم ويضع عليه القيود التي تكبله عن التفكير الحر السليم.
إن عملية شرعنه السياسة .. تعدي سافر على الله تعالى وتعالى نهى تنازعه حق من حقوقه الخاصة به وحده جل وعلا وهو حق الحكيم..التي يجوز له وحده أن يشرعن كل شئ صدر عنه سبحانه وتعالى..
في حين من يقوم بشرعنة السياسية(المقصود كل القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والمالية..الخ……..)
وكأنها جزء من الشرعية،وكأنها نص من النصوص الربانية،وكأنها قطعية الدلالة لاجدال ولا نقاش ولا مراجعه البقية لها.إن القائد الذي يتصرف كذلك.. يحرص كل الحرص مسبقا أن منهج التوعية والتعبئة والتربية يخدم بمنطقه وتفكيره هذا..فيغرس في نفوس أعضاء الحركة أو التنظيم منذ نعومة أظفارهم..إن قرار القائد وكلامه هو واجب وجوب النص..باعتبار أن طاعة الامير من طاعة الرسول ،وطاعة الرسول من طاعة الله..أي يعطى أول مصل للفكر..بالتوقف عند حد معين من التفكير..ليس هذا الحد هو ماقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا)..ولكنه حصر التوقف في التفكير عن كل شي ولله كل قرار وكل كلمه تخرج من فم القيادة.
وقد تنشأ عملية الخلط من قبل بعض المنتسبين للحركة الإسلامية بين الجانب العقدي،وبين الجانب التنظيمي ونرى ذلك من خلال الدفاع المستميت لهؤلاء الناس عن أفكارهم التنظيمية،أو القرارات التنظيمية،أوحى عنه السلوك التنظيمي بمبالغه شديدة،بإضفاء الطابع العقدي،والتقديسي على هذه الأفكار والآراء.
وبالتالي قد يشككون في إيمان وفي تقوى من يخالفهم الرؤية أو لايؤيدهم بأفكارهم.
ولم يدرك هؤلاء إن نوع التنظيم أو الحركة أو الحزب الذي نختاره هو مسالة فيها رأي واجتهاد ووجهة نظر،ولا يوجد في الإسلام من اخذ تفويضا لحزبه أو حركته من الله سبحانه وتعالى بأنه الفئة الناجية.
وبالتالي من باب أولي إن كل اجتهاد أو رؤية تخرج من هذا التنظيم هي أي محل اجتهاد وفيها نظر..وهي تخضع لمنطق الشورى،ومصلحة الأمة..
ومن رحمة الإسلام انه لم يفرض حتى شكلا معينا للنظام السياسي للدولة،إنما وضع إطارا عاما له فقط،يتمثل في مصدريه التشريع،وشورية القرار،وعدا ذلك هو مرهون بمصلحة الامه واختيارها وفق ضرورات الواقع ومبدأ المصالح المرسلة وسد الذرائع التي تدور مع النظام الإسلامي حيث يدور.
بقلم/ الدكتور خضر عباس

أضف تعليق

إحظر من نقاش الجهلة

حظر من نقاش الجهلة

لقد حضرت نقاشا لشاب مثقف، وأخر ليس له علاقة بالثقافة، الأول دفع ضريبة ثقافته، بان خرج أو اخرج من الحركة، والثاني وصل لموقع في الحركة، لأنه جنى ثمار جهلة بامتياز.
وفي النقاش والحوار حاول أن يتحدث الشاب الأول عن أزمة الحركة، وأزمة القيادة فيها، وتحدث كلاما علميا مفيدا… ولكن فجأة انقض عليه ذلك الرويبضي الذي اجهل من أن يستوعب ما يقول هذا الأخ المثقف، بسيل من الاتهامات، بدلا من الاستجابة لحوار هادئ مفيد.
ولم أفاجأ لذلك.. لان الإمام الشافعي رحمه، الله قال في ذلك.. ” ما جادلني جاهل إلا غلبني وما جادلني عالم إلا غلبته “.
كما أن التجربة قد علمتني بأن الجاهل في النقاش والحوار لا يملك إلا أسلوب الشتم والاتهام، كأسلوب للتخلص السهل من الرأي الآخر، عبر رمي صاحبه بقذائف شخصية وذاتية، كان يتهمه بالتخاذل، والجبن، والعمالة، والانحياز لأعداء الحركة، والركون إلى المتامرين..الخ. والقائمة تطول من شتى أنواع السباب والقذف، التي تدل على تلك الحيلة النفسية المستهلكة لحظة العجز عن ممارسة الحوار العلمي المتبصر..هو الأسلوب الأفضل لهؤلاء الجهلة.. وهذه الاتهامات هي التي تروجها الأوساط الجاهلة في الحركة الإسلامية ضد النخبة المثقفة لكي تخرج ويفسح لها المجال -وهذا قطعا ما يعاب على كثير من منتسبي الحركات الإسلامية، هذه الأيام.. للأسف الشديد- والمسئول ينقب ويبحث عن مثل هؤلاء الجهلة ليقدمهم الصفوف، ويغرسهم في قلوب من يحاول أن يستخدم عقلة وفكرة وثقافته للنقد أو حتى التبصير.

أضف تعليق

العمل الإسلامي.. ما بين المنهج الحركي الإصلاحي والمنهج الثوري

العمل الإسلامي.. ما بين المنهج الحركي الإصلاحي والمنهج الثوري

لا يخلو حزب أو جماعة -صغيرة كانت أم كبيرة- من منهج حركي يضبط خط سيرها في الواقع، أيا كان هذا المستوي الحركي الممارس، ولا يعدو هذا المجال من أن يكون أحد الشكلين أو المنهجين اللذين يحكمان أساس الحركة الاجتماعية في التغيير، وهما المنهج الإصلاحي والمنهج الثوري للتغيير. ولكل من هذين المنهجين طرقه ووسائله وأساليبه في التغيير، كما أن له منهجه التربوي، وكذلك له ممارساته وسلوكياته التي تختلف عن بعضها البعض، من حزب أو من جماعة إلي أخري .
وهذان المنهجان المتباينان كانا ومازالا السبب الأهم والأكثر في معضلة ومشكلة الافتراق والاختلاف بين الأحزاب والحركات بشكل عام، والجماعات والأحزاب والحركات الإسلامية بشكل خاص، حيث منها من اعتمد منهج التغيير عن طريق الإصلاح التدريجي الثانوي والتربوي داخل المجتمع، ومنها من سلك المنهج التغييري الانقلابي الثوري.
ونحن إذا رجعنا إلي المقياس والميزان الحركي..المثل في حركة الجماعة الإسلامية الأولي بقيادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة في كل زمان ومكان، نري عبر الشواهد المبينة والواضحة بأن المنهج التغييري الثوري الانقلابي الشامل، هو منهج هذه الجماعة الإسلامية الأولي.
فهذه الجماعة جاءت لتكون بديلا للمجتمع الجاهلي القائم، وسعت لتغيير هذا المجتمع من أسسه وقواعده، ولتقيم قواعد جديدة تختلف كل الاختلاف عن القواعد الجاهلية السابقة، علي جميع الصعد. جاءت لتعلن أن العبودية والربوبية والألوهية، وكذلك الحاكمية والتشريع يجب أن تصدر من الله سبحانه وتعالي، وأن الذين يغتصبون هذا الحق يجب التمرد عليهم وعدم إطاعتهم، بل والسعى لتغييرهم، باليد أو باللسان أو بالقلب وهو أضعف الإيمان.
وقد أرسى رسول الله صلي الله عليه وسلم هذا المنهج بمجرد أن قال “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ففهم العرب بهذا القول ما عبر عنه الإعرابي الذي قال “إذا ستقاتلك العرب والعجم”، حيث أدرك بحسه بأن هذا الشعار مؤداه قلب الأوضاع القائمة رأسا علي عقب، وهدم أسس بنيان المجتمع القائم وتقويض أركانه، ولم نشاهد في حركة الرسول صلي الله عليه وسلم أي مساومة على حساب هذا المنهج. رغم أن قريش ساومته لتسلم أرقي مناصبها، وتزوجه أجمل بناتها، وتوهب له جل مالها، فيأبي أن يتنازل أو يساوم أو يلتقي معهم في منتصف الطريق، كما يأبي أن يهادن أو يصالح، أو يداهن، رغم العذاب والفتنة المسلطة فوق رأسه ورؤوس صحبه الكرام.
إن الدارس المتبصر لسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم، تتأكد لديه معالم المنهجية الثورية من خلال المنهج الفريد في التربية الشمولية الجهادية للنخبة الممتازة للطلائع الأولي، التي كانت عنوان هذه المنهجية الثورية. حيث نتلمس الفرق بين المنهج الثوري، والمنهج الإصلاحي، من خلال التربية المعتمدة في الجماعة.. حتى قبل استعمال أدوات القوة، لأن استخدام القوة إنما هي عبارة عن المرحلة النهائية، من العملية التربوية الثورية الجهادية. حيث تمر التربية الثورية الجهادية بمرحلتين، المرحلة النظرية، والمرحلة التطبيقية.
فالمرحلة النظرية: هي ” مرحلة البناء الفكري والعقائدي، إضافة للعزلة الروحية والفكرية والوجدانية” حيث يتم في هذه المرحلة بناء النخبة الممتازة بالفكرة، وبناء الفكرة بالنخبة الممتازة، وبدون هذه العملية التي تستغرق فترة زمنية صعبه ومضنية، لا يمكن أن يحدث الصقل المطلوب، والغرس العميق للأفكار في النفوس، التي يدرك المسلم -منذ اللحظة الأولي- أنه قد انخرط في سلك الجندية انتظارا للمعركة الفاصلة بين الحق والباطل، كما يدرك بذلك أنه سوف يعطي العطاء تلو العطاء لهذه الأفكار التي قد أمن بها.
والمرحلة العملية: هي المرحلة التطبيقية “مرحلة التفاعل والممارسة، أو مرحلة التربية بالأحداث والوقائع للمواجهة”. وهذه المرحلة تبدأ بدون عنف، حيث تجابه العنف بالصبر، والعذاب بالصبر والصمود، وباختبار النفس بمدى استعدادها للتضحية والبذل والعطاء، وبأنها أقوي وأصلب من أدوات القهر والعذاب، لأن الحق يصب في قنواتها. وبالتالي يدرك الجميع بأن الظلم هو سمة القوي المضادة لها، وبالتالي فان من حقها أن ترد على هذا الظلم بالقوة والعنف المادي المسلح متى شاءت.
إن التربية التطبيقية هي المجال الأوحد الذي يكفل صلابة عود هذه الطليعة ويعودها علي مواجهة القوي الظالمة، بل ويجعلها تتلذذ بالعذاب في سبيل المبدأ كما تلذذ المسلمون الأوائل بهذا العذاب في سبيل الله، عندما وقف عبد الله ابن مسعود قارئا للقرآن في وسط حشد من الكفار، فتعرض للعذاب الشديد من جراء ذلك، ولكنه قال بكل عزة وإباء ” والله لقد أصبحوا علي أهون من ذي قبل” حيث أدرك قول الله سبحانه وتعالي “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون”
فالتربية العملية تمارس في نفس اللحظة التي تمارس فيها الفتنة ضد المسلمين فيصمد في الصراع من يصمد، ويخر صريعا من يخر، والذين يصمدون يكونون أكثر فرحا من غيرهم وهم يبذلون ويعطون لهذه الدعوة .
إن التربية النظرية بدون عمل وبدون أن يختبر الواحد نفسه علي مدي القدرة والتحمل في سبيل ما أمن به من أفكار تبقي مجرد أفكار عقلية أو وجدانية ليس لها من الواقع العملي أي مجال، وهذا لم ولن يحقق في يوم من الأيام النظام العملي علي أرض الواقع.
إن الطلائع الأولي للحركة الإسلامية لم تتذرع مطلقا، كما يتذرع البعض بقوله تعالي “ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة” أو بالقول “نحن في المرحلة المكية” بل عرف هؤلاء الطلائعيون بأن الهلكة الحقيقية تكمن في فصل النظرية عن التطبيق، وفي تجريد الفكرة من الممارسة عبر البذل والعطاء والتضحية. فهذا عمار بن ياسر ووالديه، وبلال بن رباح وغيرهم من الصحابة يعذبون في سبيل المبدأ ما يثنيهم عن ذلك شدة التعذيب وقساوته، لأن الذي يعجز عن مواجهة التحدي منذ اللحظة الأولي سوف يستمرئ العجز في كل موضع بعد ذلك، ويغدو العجز والضعف ميزة أساسية في حياته.. أما الذي يقف شامخا في الصدمة الأولي فإن من الصعب أن ينكسر بعد ذلك مهما كانت المحن والصعاب، لأن الصبر والصمود والتحدي في سبيل الحق هو الذي يحكمه..وبالتالي يكون على استعداد لأن يدفع ضريبة العز والكرامة. ومن ثم يهون عليه بعد ذلك أن يدفع ويدفع ويدفع، لشعوره بأن السعادة دائما هي في العطاء والبذل، وليس في الكسب والأخذ.. فاللصقاء بالعمل الإسلامي الذين يترعرعون علي الأخذ والكسب دوما من الإسلام، هم وبدون شك سوف يبخلون عن أداء ضريبة الكرامة والعزة، بل وقد يتخلون عن طريق ذات الشوكة جملة وتفصيلا، وهذا ليس ذنبهم أو خطؤهم، إنما الخطأ كل الخطأ في منهج التربية، أي في منهج التغيير الذي تربوا وترعرعوا عليها.. ذلك المنهج القائم على عدم التضحية والبذل والعطاء، وبذلك غاب عنهم بالمطلق قول الله سبحانه وتعالي “إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم”.
ففهم الصحابة بأن الأخذ ليس مطلبا في الدنيا، إنما هو جائزة الله لهم في الآخرة بدخول الجنة، وبالتالي لم يتراجعوا كما فهم البعض، وتعودوا الأخذ والكسب من هذه الدعوة، ولم يقدموا ولو للحظة واحدة ضريبة العزة والكرامة، ولم يفتنوا في أنفسهم ولا أموالهم في سبيل المبدأ، الذي امنوا به نظريا.
ولذا نقول لأولئك الذين يتشدقون بان الجماعة الإسلامية بقيادة رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن منهجها ثوريا تشدقا بقوله الله سبحانه وتعالي “كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة” بأن الله سبحانه وتعالي قصد بهذا القول الكف عن العنف والقتال البدني، واستعمال القوة في التربية بالأحداث في طورها البنائي، فالخط الجهادي الثوري يعتمد على التربية الثورية الجهادية…التي تعني التربية بالأحداث، التي يشكل التأهيل للصبر والصمود والتحدي أولى معلمة، ثم يقف القتال علي رأس هرمه.. أي تبدأ بالجانب النظري ثم تنطلق بالجانب العملي الذي يكون جزءا منه التربية القتالية دون استعمال القتال انتظارا للحظة الصفر…… ولا مجال للاعتراض بالقول أن رسول الله صلي الله عليه وعلي أله وسلم لم يقم بتدريب أصحابه علي الناحية القتالية، كون الصحابة جميعا كانوا بحكم الواقع البيئي مدربين أفضل تدريب علي جميع مستويات القتال.
ويتميز المنهج التغييري الثوري بميزة مهمة عن المنهج الإصلاحي، بحيث توجه عملية التغيير نظريا وعمليا إلى رأس وقمة الهرم في المجتمع الجاهلي.. في حين يتوجه المنهج الإصلاحي إلي قاعدة هذا المجتمع، فتسعى للتغيير عبر تربية نظرية، مما يضرها لاستخدام أسلوب الترقيع والتقاطع في منتصف الطريق..حتى فيما يخص أفكار ومبادئ الحركة..ولهذا وقع المنهج الإصلاحي في خطأ فادح بممارسة أسلوب البناء النظري، مما أوقع هذا المنهج في وضع حركي تمثله عبارة “مكانك سر”.

فالحركة الإصلاحية السلبية تقتصر على منهج التغيير للمجتمع الجاهلي، عبر منهج بناء نظري، طويل الأمد، وليس منهج هدم وبناء، لكونها تنطلق بالتغيير من القاعدة فقط، والتي سوف يظل العمل فيها مجرد وهم، وضرب في حجر صوان.
أما الحركة الثورية الجهادية التي تعتمد العمل الثوري الصحيح، فإنها يسير في الخط الطبيعي للعملية البنائية وعملية الهدم معا…فالهدم يجب أن ينطلق لرأس القمة، وأما البناء فيجب أن يبدأ من القاعدة، وينطلق منها لتكون صلبة لتقاوم كل عوامل الخراب.
ومن هنا نري بأن الحركة الثورية الجهادية تحدد مسار التغيير بالقمة، وتوجه لذلك كل ما تملك من قوي تغييريه فاعلة، في حين توجه كل ما تملك من طاقة بناء إلي القاعدة –الجماهير- وتغرس فيها بذور بناء المجتمع الجديد، لتكون سياجا واقيا عند عملية التغيير الثوري.
من هنا نري أن منهج التغيير الصحيح، هو ذلك المنهج الذي يجمع في علاقة جدلية رائعة بين عملية الهدم من الفوقي من جانب، والبناء التحتي من جانب أخر، بشكل متلازم ومتوافق، وبشكل عضوي حركي، يؤثر كل جانب علي الأخر فيه .
إن مرحلة التربية الثورية الجهادية هي المقدمة الطبيعية والحتمية لمرحلة التنفيذ الثوري الجهادي، ومرحلة التنفيذ الثوري هذه ربما تأخذ عدة أشكال استجابة لظروف خاصة ومعينة تفرض نفسها.. فمثلا عندما أراد رسول الله صلي الله عليه وعلي أله وسلم البدء في مرحلة التنفيذ وجد أن أسلم طريق لهذا الأسلوب هو الهجرة وإقامة الدولة في ظل قاعدة أمنية تحرسها طلائع الحركة الإسلامية بالقوة المادية في وجه القوي المتربصة بها.
ومن أشكال التغيير الثوري –كما هو الحال اليوم- الثورة على الفئة الظالمة، بواسطة النخبة الثائرة التي تأخذ على عاتقها تحمل مسئولية هذا العمل الشاق في فرض نظام الله وتطبيق شريعته الغراء.
كما أن هناك شكلا أخرا في التغيير الثوري، يعتمد علي الثورة الجماهيرية في التغيير، حيث تشارك الجماهير جنبا إلي جنب مع النخبة الممتازة في هذه المهمة، ويكون لديها الاستعداد التام للتضحية والاستمرارية في العطاء دون توقف حتى تحقق أهدافها التي انطلقت من أجلها .
وهذا بخلاف من يتشدقون ويطرحون المنهج التغييري الثوري بالعنف فقط، وينطلقون في اتجاه واحد هو الهدم –دون التفكير في البناء– فأولئك وإن حققوا أهدافهم في الهدم، فإنهم لن يستطيعوا أن يقوموا بالبناء لأنهم لم يتعودوا ذلك، مما يجعل الجماهير نفسها في مواجهة معهم، فإما أن يكون السقوط حليفهم أو يرسخون حكمهم بشكل دكتاتوري تسلطي.. وفي كلا الحالتين يفقدون مبرر وجودهم.

وأما الذين يتبنون المنهج التغييري الثوري من القمة، عبر مبدأ النصرة، ظنا منهم بأن رسول الله صلي الله عليه وسلم أقام دولته من خلال النصرة الخارجية.. فهم على هذا خطأ فادح، لأن الأنصار هم من داخل الدائرة، فهم مسلمون كالمهاجرين، وإن تباعد بينهم السبق للاسلام..فقد اعتمدوا علي قوتهم الذاتية ولم يطلبوا النصرة أبدا من خارج إطار المجتمع الذي ينتمون إليه.
وأما أصحاب المنهج الإصلاحي في التغيير، فهم أبعد الناس عن المنهجية التي اتبعها رسول الله صلي الله عليه وسلم في التعيير..وهم إفراز طبيعي لحالة العجز والضعف التي تتحكم في العمل الإسلامي.. ولهذا فان منهجهم يعتبر منهجا هزيلا يجعل من مصلحة الدعوة والمحافظة علي بقائها صنما يعبد بشكل غير شعوري.
والمنهج الإصلاحي اليوم يمثل شكلان في الحركات الاسلامية…. الشكل الأول يؤمن بالتغيير الشامل ويطرح العملية التغييرية للنظام القائم، ولكن علي المستوي العملي لا يمارس الشعار الذي ينادي به ولا يتخذ الوسائل الكفيلة بالوصول إلي أحداث التغيير الشامل والجذري في المجتمع ويكتفي بوسائل التربوية النظرية والتثقيفية ويستبعد الممارسة التطبيقية….. أو يبتعد عن أدوات القوة والعنف في أي مستوي حركي، ويحصر نفسه بأساليب النضال الأكثر سلما وسلاما، فنراه يبحث لاهثا عن كل ما من شأنه أن يوفر الدعة والطمأنينة.. ونسي أن طريق الدعوة والعمل الإسلامي هو طريق الأنبياء والرسل الكرام حيث الصراع والتحدي والصمود في جانب، والقهر والظلم في الجانب الأخر.
وأما الشكل الثاني، فهو الذي يؤمن بالإصلاح كوسيلة للتغييرات الجزئية داخل المجتمع القائم علي المستوي النظري والتطبيقي في أن واحد…. دون المس بالبنية الفوقية والتحتية في الجوهر… وإنما في الشكل والإطار العام….. وهؤلاء مثلهم كمن يحاول تجميل وتزين وجه دميم بطلائه بالمساحيق الكثيفة. وهذه العملية الإصلاحية لا تعدو– مهما بلغت من الروعة في أعين البعض– من أن تكون مجرد خدمات يسديها المنهج الإصلاحي للنظام القائم… ببعض الرتوش التي لا تغني ولا تسمن من جوع…… لكونه يحافظ علي أركان وأسس هذا البناء…… ولا يتعرض مطلقا إلي موضع الداء، ويهرب منه، بالعمل علي تشييد هذا الصرح الآيل للسقوط، الذي ينخره السوس من الداخل، لكونه قد فقد مبررات وجوده.
إن أصحاب المنهج الإصلاحي السلبي، لا يتورعون عن الانخراط في في ظل مجتمع جاهلي..بدعوى التغيير من القاعدة الاجتماعية، دون العمل بشكل فوقي لإسقاط النظام الجاهليه. ونسوا أو تناسوا أن معادلة الجماهير صعبة ولا ضمان لها إلا بوجود طليعة ممتازة تقود نضالها ضد النظام الباغي….. والتاريخ الإسلامي لم يقدم لنا دليلا واحدا علي نجاعة هذا المنهج في التغيير أو صلاحه بدءا بحركة الرسول صلي الله عليه وسلم وانتهاء بالعصر الحالي .
ونحن لا نرفض هذا المنهج الإصلاحي داخل المجتمع، حيث لا نفرح بانتشار الرذيلة فيه، ولا نساعد علي نشرها، لأن العمل الإسلامي نظيف الأهداف، نظيف الوسائل، وبالتالي يسعى لمجتمع نظيف. فالمجتمع كلما كان ذو أخلاق أفضل، يكون أكثر استجابة وتفاعلا مع الدعوة الإسلامية. ولكننا نرفض المنهج الإصلاحي المحدود باعتباره يحصر العمل الحركي الإسلامي في نطاق حيز محدود، يتمثل في الجانب التعبدي والأخلاقي فقط، بمقاومة المنكرات والفساد والرذيلة والانحراف……. ونطالب بأن يكون التغير علي المستوي التربوي والبنائي من القاعدة، بوسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي نفس الوقت انتهاج النهج الثوري التغييري من القمة، ولو عبر وسائل القوة العملية في التغيير.
وأخيرا فإن الاسترشاد بحركة الرسول صلي الله عليه وسلم وجماعته الأولي، يدفعنا بوضوح للتحلل من المنهج الإصلاحي السلبي في التغيير، ويدعم في المقابل المنهج الثوري الجهادي الانقلابي الشامل، في جميع مجالات الحياة وأوجه النشاط بشكل عام..والهادف إلى التغيير الشامل، وإقامة نظام الله سبحانه وتعالي، في أرضه وبين عباده، محققين قول الله سبحانه وتعالي ” إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” صدق الله العظيم .

أضف تعليق

السكينة وأثرها في الحرب على غزة

السكينة وأثرها في الحرب على غزة بقلم الدكتور/ خضر عباس
مقدمة السكينة
السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده، عند اضطرابه من شدة الخوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين والثبات، والتمسك بقضاء الله.
فالسكينة شيء من لطائف صُنع الله تعالى تتنزل على قلوب المؤمنين، فتجمع قوة لروحهم المضطربة، وسكن لنفوسهم الخائفة، وسلوان لحزنهم..وللسكينة نوافذ عدة تدلف بها للنفوس المؤمنة فتمدها بواحات من الأمن والطمأنينة، فتذوق طعم الراحة والسكون، فتُشرق حياة الإنسان بتذوق لذتها، فلا يضره أن يعيش وسط هذا الركام المذهل من سلب الحياة، لأن أرجاء نفسه تصفو في دعه وامن وطمأنينة وثقة بالله وقدرة، فيسلم أمرة لربه، يردد لا حول ولا قوة إلا بالله..فيملا قلبه حبا..ويملا كل وجدانه سكون.. فتطمئن به القلوب وترتاح، وتُدفع به الهموم والإحزان.
ولقد تنزلت السكينة على أهل غزة المؤمنين في هينة وهدوء ووقار وسكن، لتُضفي على القلوب المؤمنة المتحمسة المتأهبة بردا وسلاما وطمأنينة وارتياحا ” فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية السكينة، وأن المواقف الصعبة تحتاج بلا شك إلى تنزّل السكينة أكثر من أي وقت لأهميتها في تجاوز تلك الموقف الصعبة والقاسية.
وبتأمل السكينة التي أنزلت على أهل غزة في الساعات الحرجة ولحظات الاضطراب، تبين مدى أهمية آيات السكينة وتنوع أشكالها لعلك وتُدرك أثر تلك السكينة في تثبيت النفس وسكون اضطرابها، وعميق ما تُخلفه من ظلال وارفة على قلوب أهل غزة في هذه الحرب الضروس التي شنتها آلة العدو على الشعب الفلسطيني في غزة.
إن السكينة إذا نزلت على القلب اطمأنَّ بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وإن السكينة دواء لما يعانيه الإنسان، وهو يواجه مشكلات حياته بكل أنواعها، بين مطالب فكره وحاجته في عالم يسوده تغير الأحوال، وفقد ما نحب وعدم وصولنا إلى ما نريد، بالإضافة إلى مختلف النوازل والأحزان وأزمات النفس، فإن في إزالة ما يلم بالنفس من المعانة والقلق واليأس ما يبدد ذلك كله، فيحدث التوازن للفكر والنفس والبدن. والسكينة من أعظم الأسباب في سكون القلب وتلاشي اضطرابه، وخاصة في مواجهة الشدائد والمحن التي تلم بالإنسان. والسكينة تعتبر هي علامة اليقين والثقة برب العالمين، فتثمر الخشوع وتجلب الطمأنينة، وتلبس صاحبها ثوب الوقار في المواطن التي تنخلع فيها القلوب وتطيش فيها العقول وتزيغ فيها الأبصار.
السكينة في القرآن
تبين الآيات والأحاديث التي ذكرت لفظ السكينة في القرآن والسنة.. أهمية السكينة في للنفس البشرية.
فقد ذكرت لفظ السكينة في القرآن في ستة مواضع، كلها تأتي لمعالجة حالة مشقة وشدة تلم بالإنسان.
وقد ارتبطت آيتان منها بحالة الشدة من موقف معين والآيات الأربع الأخرى ارتبطت بشدة الحرب.
– ففي الهجرة في ظل تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة، التي لو نظر المشركين إلى ما تحتهما لرأوا النبي و صاحبه، وهما في الغار..وهما مطاردان ومطلوبان للقتل.. إذ يقول أبي بكر رضي الله عنه: “لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا”. والنبي صلى الله عليه وسلم يُجيبه: “ما بالك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”. فأنزل الله على قلبيهما السكينة قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) {التوبة :40}
والموضع الثاني يبين حالة الشدة والخوف التي واجهت الصحابة من الأنصار يوم بيعة الرضوان بشكل سري وخفي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خوفا من انكشاف أمرهم فانزل الله السكينة ليربط على قلوبهم. قال تعالى في وصف المؤمنين. قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18].
-وأما المواضع الأربع التي ذكرت فيها السكينة في القرآن فقد كانت كلها تتعلق بحالة الشدة والخوف الناجم عن حالة حربية.. ففي هذا الموقف ذكرت السكينة التي تنزلت فيها من الله في الحديبية، حيث تزلزلت القلوب من تحكم الكفار عليهم.. ومن طالع حاله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية وهو يقول: “إنه ربي وإنه لن يضيعني” فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ){الفتح :4} ،
ثم تنزّلت السكينة مرة أخرى في نفس الموضع فقال تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً){الفتح :26} يقول سيد قطب: الظاهر بأن الحديبية كانت من أشد المواقف التي أُمتحن فيها المسلمون، يدل على ذلك تنزّل السكينة فيها أكثر من مرة في هذا الموقف.
وفي يوم حنين تنزلت السكينة على المؤمنين في تلك الساعات الحرجة، التي قال الله عنها (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) {25} (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) {التوبة : 26}
وكانت تتنزل السكينة كذلك على بني إسرائيل وهم في صحبة (التَّابُوتُ) والمقصود به الصندوق الذي يأخذه اليهود معهم في غزواتهم، وفيه السكينة: قيل أن به الألواح التي أنزلت على موسى، أو به اثر من النبي موسى، والتي بها تسكن نفوسهم وتطمئن وتنشرح صدورهم. قال تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ){البقرة :248}
وقال ابن عباس: “كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا في سورة البقرة”. يقصد(سَكِينَة التَّابُوتُ)
السكينة في السنة:
وجاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: “إني باعثٌ نبيًا أميًا، ليس بفظٍ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوّال للخنا، أجعل السكينة لباسه والبر شعاره”
وقد كانت السكينة سمة الرسول الله عليه وسلم في كل معاركة.. ففيوم يوم أحد عندما كُسرت رباعيته وجُرح في وجهه الشريف ظلت السكينة هي سمته..كما لم تفارق الرسول والمؤمنين السكينة يوم الأحزاب عندما ربط الحجر على بطنه الشريف من شدة الجوع، وهو يحمل التراب، وقد وارى بياض بطنه وهو يقول: والله لولا أنت ما اهتدينا..ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينــة علينا..وثبت الأقدام إن لاقينا..إن الألى قد بغـوا علينا..إذا أرادوا فتنـة أبينا”
وقد وردت النصوص تحضُّ على السكينة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعون وأتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا”. [رواه البخاري ومسلم].
وفي الحديث: “لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة”. [رواه البخاري].
وورد: “يسّروا ولا تعسروا، وسكّنوا ولا تنفّروا”. [رواه البخاري ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم في عشية عرفة للناس حين دفعوا: “عليكم بالسكينة”. [رواه مسلم].
وما عند الله من خير وبركة وسكينة لا نناله إلا بطاعتنا له، والدعاء من أعظم الأسباب في تحصيلها.
وفي الحديث: “تلك السكينة تنزَّلت للقرآن”. [رواه البخاري ومسلم].
وورد: “ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”. [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم”. [رواه البخاري ومسلم].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه”.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “السكينة مغنم وتركها مغرم”.
مفهوم السكينة
وقد جرب الكثير من العلماء الكبار قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب فرأوا أن لها تأثيرًا عظيمًا
يقول ابن القيم: ” كان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا اشتدَّت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه: تعجز العقول عن حملها، من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف قوة . قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقربائي ومن حولي : اقرءوا آيات السكينة. قال: ثم أقلع عن ذلك الحال وجلستُ وما بي قَلَبَةٌ”.
وقال ابن القيم “وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه . فرأيت لها تأثيراً عظيما في سكونه وطمأنينته.
وقال العلامة الألباني رحمه الله :وقد تكرر ذكر “السكينة في القرآن ” والحديث وقيل في معناها أقوال كثيرة ذكرها الحافظ منها قول وهب: أنها روح من الله، منها أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان. السكينة وطمأنينة وسكون القلب في العلم
أثبتت دراسة في مؤتمر طبي عقد في القاهرة مؤخراً عن كيفية تنشيط جهاز المناعة بالجسم للتخلص من أخطر الأمراض المستعصية والمزمنة، أن مستمعي القرآن الكريم تظهر عليهم تغيرات وظيفية تدل على تنشيط الجهاز المناعي وعلى تخفيف درجة التوتر العصبي التلقائي، وقد أمكن تسجيل ذلك كله بأحدث الأجهزة العلمية وأدقها.
يقول الدكتور أحمد القاضي رئيس مجلس إدارة معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث في أمريكا وأستاذ القلب المصري الذي أشرف على البحث في الولايات المتحدة الأمريكية: إن (79 %) ممن أجريت عليهم البحوث بسماعهم لكلمات القرآن الكريم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين وسواء كانوا يعرفون العربية أو لا يعرفونها ظهرت عليهم نتائج إيجابية تمثلت في انخفاض درجة التوتر العصبي التي كانوا يعانون منها.
ويضيف القاضي: من المعروف أن التوتر يؤدي إلى نقص مستوى المناعة في الجسم وهذا يظهر عن طريق إفراز بعض المواد داخل الجسم أو ربما حدوث ردود فعل بين الجهاز العصبي والغدد الصماء، ويتسبب ذلك في إحداث خلل في التوازن الوظيفي الداخلي بالجسم ، ولذلك فإن الأثر القرآني المهديء للتوتر يؤدي إلى تنشيط وظائف المناعة لمقاومة الأمراض والشفاء منها.
وهذا هو الذي يفتح أمام الإنسان أبواب العلم والمعرفة والإيمان، فيخرج من ظلمات الشكوك والأوهام وأنواع الحيرة إلى نور الحقيقة التي تستقر في النفس وتسمو بها، وهذا ما يسمون «ثلج اليقين»، وهو سكينة لاشك في أهميتها بالنسبة للحالة النفسية للإنسان.
ويقول بعد كل قراءة للقرآن كنت أحس بالسكينة والطمأنينة تملأ قلبي وكنت أستعد للذهاب لعملي بكل انشراح للصدر وأعود وأستطيع الجلوس والتحدث مع أهلي بكل رحابة صدر. وتوصلت إلى نتيجة أن لا حياة من غير سكينة للروح والنفس فالسكينة هي الراحة والصحة النفسية، والسكون للشيء والراحة به.. ولذا ما أشد حاجتنا إلى هذا العلاج القرآني، لننال السكينة التي تخلصنا من حالات القلق والهموم والأحزان والاضطرابات العصبية وغيرها التي تعصف بنا وقت الشدائد والمحن.

أضف تعليق

السياسي والمثقف

السياسي والمثقف

هذا الحديث يبقى من المواضيع الحية التي استمر الجدل حولها على مر العصور. فالأزمة بين السياسي والمثقف، أو المفكر والسلطان هي أزمة تاريخية مستعصية. إنها أزمة بين المثالية والميكيافلية.. بين تعامل حر في فضاء مفتوح، لا تحكمه حسابات المنفعة، وبين برجماتية مفرطة تنبع من ذات الوظيفة التي يضطلع بها السياسي، ومن الموقع والأوضاع الاجتماعية والطبقية، تفرض عليه لغتها وقوانينها الخاصة.
والمثقف حسب هذه الرؤية، ليس ذلك الذي يكتسب وضعه من خلال تراكم الخبرة العلمية وحيازة الوعي، المعبر عنه هنا بالسلطة المعرفية، بل لا بد من ربط ذلك بقضايا سلوكية.
إن الإلتزام في الموقف والوعي، هما شرطان أساسيان لكي نطلق على الفرد صفة المثقف. إذ لا يمكننا أن نتصور مثقفا خارج دائرة التعبير عن وجدان الأمة. إنه الضمير المعبر عن أمال الأمة وآمالها، والمفترض فيه أن يُسخر سلطته المعرفية لينير لها دروب نهضتها.
يتعامل السياسي مع الحاضر، أما المثقف فيرنو بعقله وفكره إلى المستقبل. إنه يدرس الحاضر كي يستخلص منه موقفاً ورؤيةً جديدةً يفترض فيها أن لا تكون معزولة عن الواقع. وقد تحددت هذه الوظيفة للمثقف منذ القدم. تفاعل المثقف، في ملحمة مع مجتمعه
-يبقى السياسي على طول الخط، بحاجة الى المثقف كهادي له، ومسدد لخطاه، وناقداً له، وقد يعمل السياسي لتحويل المثقف الى بوق، أو فرشاة لتلميع صورته، فيبقى المثقف بين التبعية والنقد… فعندما يكون المثقف –تابعاً- يخسر نفسه ومجتمعه وصفته النقدية، لسبب خضوعه لمغريات السياسي، فتكون الثقافة متدنية.
أما عندما يقف السياسي على باب المثقف، فتكون الأمة بخير، لان الثقافة بخير.
-تعتمد الأزمة على عناصر التضاد، من خلال معادلة ثنائية:
الاولى (عمودية) تتشكل فيها طموح –السياسي- لتأكيد مبدأ السيطرة بطروحات تتبنى خلفية التشكيل أو النظم التي صنعت منه معادل موضوعي ليبدأ (المنصب) خلاصة لكل المعارك التي ناضلها لأجل الأستحواذ والهيمنة، لتأكيد الربط الجدلي بين السياسي، والسلطة التي بمعناها الأخر (القوة)، أما المعادلة (الافقية) فهي ترسم من خلالها الثوابت المطلوبة وفق سياسات تحدد نسبية البعد والقرب –الزمانية والمكانية- لما تتطلبه من أحداثيات تحدد المواقع المطلوبة، وهذا في حد ذاته أقصاء متعمد يبتدأ بفعل التهميش وخلق أزمة ثقة لعدم تطابق الرؤى، فيبدو أنهما خطان متوازيان لأفعال لا تتطابق وذلك لوجود فجوة لا يمكن ردمها بسهولة، لتترك ندوب التفاعلات الجانبية وترسم بيانات تعتمد في أصلها على الحاجة المشتركة، وهو تأسيس هجيني مشوه.
-من البديهي أن المثقف يمتلك القدرة والقابلية العالية في نشر المفاهيم والقيم والمثل العليا التي من شأنها أن ترتقي بالبلاد نحو التطور والرفاه، وذلك لالمامه بكل مجريات الاحداث وتشخيص السلبيات وأيجاد الحلول الناجحة لها، لكي يكون البناء رصيناً لا تشوبه الاردان.
وعلى السياسي أن يكون متظافراً بالجهد والعطاء مع المثقف لتكون العملية السياسية قوية وقادرة على أنشاء مفاهيم حقيقية وفق أسس متينة، لا أن يترفع عليه ويقلل من شأنه وقيمته الاعتبارية في عملية البناء والتغيير.

لغته بشكل جذري من حيث مثاليتها وصرامتها وحتى مفرداتها عن لغة السياسي.

أضف تعليق

الخلافة.. وجهد العمل

الخلافة.. وجهد العمل
جهد العمل ووظيفة الإنسان:
إن هناك تناسق وتناسب بين جهد العمل، وبين الوظيفة أو المهمة التي تناط بالإنسان بدءاً بالوظيفة الكبرى (الخلافة على الأرض) وانتهاءً بأي وظيفة أو مهمة أو مركز يوكل له.. باعتبار أن جهد العمل هو عبارة عن ” الطاقة العملية المصروفة من قبل الشخص لأداء نشاط معين ومحدود”… وأي عمل لا بد له من جهد (طاقه) لانجازه، وهذا الجهد المبذول من قبل الإنسان.. إما يكون جهد إنساني (وجداني) أو جهد ثقافي (عقلي) أو جهد حراري (جسمي) أي الجهد ينطلق من مكونات ثلاث (تكوين إنساني، وتكوين ثقافي، وتكوين الحراري) وهذه ” المكونات تساعد في عملية تحليل الوظيفة، لأن كل وظيفة لها تركيب معين من مكونات جهد العمل، وكل فرد عامل له تركيبة معينة من مكونات العمل، والمطلوب هو إحداث تطابق بين مكونات الجهد في الوظيفة وبين من يشغلها”
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من ولى رجلا أمر المسلمين ويجد من أفضل منه فقد خان الله ورسوله” ويقال في علم الإدارة الحديث (الرجل المناسب في المكان المناسب)
أي بمعنى أكثر وضوحاً يجب أن تناسب مكونات جهد العمل الثلاث (التكوين الإنساني، التكوين الثقافي، التكوين الحراري) مع المكونات الشخصية للفرد (الجسمية والنفسية).. فالشخص ومكوناته الذاتية على المستوى العقلي، والجسمي، والنفسي، يجب أن تتناسب مع عمله ومع الوظيفة التي يقوم بها.. وعدم التناسب يشكل عائق في ا لممارسة العملية، سواء بالعجز عن القيام بالنشاط، أو بالقيام المنقوص للنشاط، أو بالقيام المشوه للنشاط.. وهذا كله يدخل في سوء الاختيار وفي بذل الوسع.
وقد عبر المولى عزوجل عن التناسب بين جهد العمل والوظيفة بقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وبقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: بما معناه (لا تكلفوهم ما لا يطيقون، وإذا كلفتموهم فأعينوهم( والوسع هو القدرة، أو جهد العمل.. أي الطاقة المناسبة للممارسة.. وتدخل عوامل جسمية كثيرة في التناسب بين جهد العمل، والخصائص الجسمية… كما يدخل في ذلك الحالة النفسية للفرد، بحيث يزيد أو ينقص هذا الجهد اضطرارا بحسب هذه الحالة النفسية.
وهناك عوامل كثيرة تؤثر سلباً وإيجاباً على جهد العمل.. ومن اكبر المعيقات عدم التناسب بين الأداء العملي للشخص (جهد العمل)، وبين جهة العمل (الوظيفة) على المستوى النفسي، كالحالة النفسية السيئة كالإصابة بالإحباط، والقلق، والتوتر، والإرهاق، واليأس، والقنوط، والسوداوية….الخ.
ومن المعيقات لجهد العمل، على المستوى المعنوي، الحالة العاطفية السيئة، التي تؤثر بلا شك على جهد العمل، وعلى منسوب الأداء فيه..وكذلك الحالة العاطفية كالحب والكره، والعدوانية والألفة، والغضب والفرح والسرور، وغيرها.. تؤثر كذلك في جهد العمل المبذول في أداء الوظيفة.
ومن المعيقات لجهد العمل، على المستوى الجسمي والحركي، الحالة الجسمية والحركية السيئة، كالإعاقة أو الإصابة أو المرض التي تؤثر على أي وظيفة له.
إن عدم تناسب الخصائص الشخصية (الإنسانية) للفرد على المستوى النفسي والانفعالي والبدني تؤثر على الوظيفة التي يشغلها الإنسان، وتؤثر بالتالي على جهد العمل.. ومن ذلك سوء أداء التخطيط لقضاء وقت الفارغ الذي يؤثر في جهد العمل..لأن التخطيط المناسب، حتى للراحة كقضاء الأجازة يؤثر على العمل أيضاً.
ومن الأمور المساعدة على تنظيم تصريف جهد العمل، توفير عوامل الاحتياجات للعمل، وعوامل التكيف للعمل..فالعمل الذي تتوفر فيه مثلاً وسائل راحة داخل العمل، يؤثر في تصريف جهد العمل..وكذلك توفير المواصلات الجيدة والمريحة من وإلى العمل تؤثر أيضا في جهد العمل.
والمستوى الانفعالي والنفسي يؤثر كذلك في جهد العمل، فحسن العلاقة القائمة بين الموظفين وبعضهم البعض، والموظفين والمرشدين وكل أفراد المؤسسة لها اثر في جهة العمل، وكذلك العلاقات الأسرية، والمجتمعية تؤثر بشكل كبير على جهد العمل.
ويتأثر جهد العمل بالتكوين الثقافي (العقلي) لدى الإنسان.. والذي هو عبارة عن مجموع ما يحصله الفرد من تعليم وتدريب وخبرة وثقافة.. فالمستوى الثقافي والعلمي والعقلي والخبرة والمعرفة والتعليم والتدريب الجيد.. يزيد من التصريف المناسب لجهد العمل، في حين أن المستوى المتدني له يؤثر بالسلب على جهد العمل.
ومن الأمور التي تؤثر على المستوى الثقافي، وبالتالي تؤثر على جهد العمل، التقادم العلمي، وهذا يصيب الأفراد والعاملين الذين مر على وجودهم فترة زمنية في العمل، دون أن يطوروا أنفسهم، بل يظل مستواهم الذي دخلوا عليه مجال العمل، كما هو دون زيادة أو تطور، مما يؤثر على جهد العمل لديهم.
ومن العوامل التي توثر أيضا في جهد العمل الثقافة العامة، التي يغذي بها الفرد عقله بشكل متواصل ومستمر والتي تمدة بأفاق تحليلية تخرجه من حيز الابداع الفكري والثقافي إلى رحاب الجهل والتخلف.
ويتأثر جهد العمل بالتكوين الحراري (الطاقي) لدى الإنسان.. والذي هو عبارة عن مجموع ما يحتوية جسم الإنسان من طاقات حرارية (جسمية وعقلية ونفسية ومعنوية) تشكل للإنسان وقوداً للجهد.
جهد العمل وتعويض الطاقة:
إن الطاقة موجودة في كل جسم حي، وهي تزداد وتنقض، وتتعرض للضياع، والاستهلاك. وعملية ضياع الطاقة، أو تسربها يؤدي إلى فقدانها دون القيام باستثمار المخزون الموجود من الطاقة داخل الجسم في جميع المجالات .. وتخرج هذه الطاقة على شكل إفرازات (فضلات) دون فائدة منها، لأن من طبيعة الجسم تصريف الطاقة، وعدم الاحتفاظ بها كمخزون بلا استثمار، هي طاقة مهدورة.
أما الطاقة المستهلكة.. فهي عملية نقص الطاقة نتيجة بذل أي نوع من أنواع الجهد (عضلي، عقلي، عاطفي) وهذه الطاقة المستهلكة لا تذهب سدى، إنما يمكن الاستفادة منها. والطاقة المستهلكة نوعان: تناسب الطاقة مع جهد العمل أو عدم تناسبها، ونعني بتناسب الطاقة مع جهد العمل، أي لا تنقص ولا تزيد كمية الطاقة المبذولة من قبل الإنسان لانجاز عمل ما.. فالزيادة أخت النقصان وكلاهما أمر سلبي وسيء.
كل إنسان.. يمتلك طاقة مخزونة في كيانه، وكل واحد يتميز بكم وكيف لهذه الطاقة، وكذلك يتميز جهد العمل الذي يؤديه أيضا كماً وكيفاً.. فكل عمل ونشاط يحتاج إلى جهد ذو خصائص ومواصفات وتركيبه تختلف عن غيره من الجهد والنشاط. لذلك يجب التأكيد على أن يتطابق جهد العمل المبذول في نشاط معين، مع الطاقة المستهلكة.. وقد يكون من المسموح أن تزيد الطاقة، لتناقص الوقت، أو لتزايد الإتقان، لكن من غير المسموح لأنفسنا أن نبذل جهدا ونصرف طاقة كبيرة في عمل مالا يستحق كل هذا الجهد وهذه الطاقة. وعلى الإنسان أن يحافظ على مستوى لائق ومقبول من الطاقة المخزونة.. والتي استنفذ منها الكثير بواسطة جهد العمل المبذول.. وهناك طريقتين لتعويض ما فقد من الطاقة في جعد العمل: التعويض البسيط: وهو التعويض الذي يساوي ما فقد من مكونات الجهد الإنساني .
التعويض المركب: ويتم التعويض بقدر أكبر مما فقد وذلك من خلال تزويد شحنات الطاقة الداخلة على الجسم عبر الوصلات المتنوعة.. وهي الوصلات التي توصل روافد التغذية الفكرية والمعنوية والجسمية له. وذلك لأن مكونات (مواصفات) الجهد الإنساني الثلاث (العقلي- المعنوي- والمادي) ذات علاقة تبادلية فيما بينها، تؤثر وتتأثر بعضها البعض سلبا وإيجابا.
لذلك على الإنسان أذا أراد أن يحقق وظيفته الأساس التي وجد من أجلها على الأرض..(الخلافة) أن يبذل الجهد المناسب والمتناسق والمتساوق.. مع ما أنيط به من مهمة ووظيفة.. وبذلك يحقق جهد العمل المبذول ما تستحق المهمة.. وهذا يجب أن يكون في جميع الأعمال والوظائف التي يؤديها الإنسان في كل مجال.

أضف تعليق