السياسي والمثقف

السياسي والمثقف

هذا الحديث يبقى من المواضيع الحية التي استمر الجدل حولها على مر العصور. فالأزمة بين السياسي والمثقف، أو المفكر والسلطان هي أزمة تاريخية مستعصية. إنها أزمة بين المثالية والميكيافلية.. بين تعامل حر في فضاء مفتوح، لا تحكمه حسابات المنفعة، وبين برجماتية مفرطة تنبع من ذات الوظيفة التي يضطلع بها السياسي، ومن الموقع والأوضاع الاجتماعية والطبقية، تفرض عليه لغتها وقوانينها الخاصة.
والمثقف حسب هذه الرؤية، ليس ذلك الذي يكتسب وضعه من خلال تراكم الخبرة العلمية وحيازة الوعي، المعبر عنه هنا بالسلطة المعرفية، بل لا بد من ربط ذلك بقضايا سلوكية.
إن الإلتزام في الموقف والوعي، هما شرطان أساسيان لكي نطلق على الفرد صفة المثقف. إذ لا يمكننا أن نتصور مثقفا خارج دائرة التعبير عن وجدان الأمة. إنه الضمير المعبر عن أمال الأمة وآمالها، والمفترض فيه أن يُسخر سلطته المعرفية لينير لها دروب نهضتها.
يتعامل السياسي مع الحاضر، أما المثقف فيرنو بعقله وفكره إلى المستقبل. إنه يدرس الحاضر كي يستخلص منه موقفاً ورؤيةً جديدةً يفترض فيها أن لا تكون معزولة عن الواقع. وقد تحددت هذه الوظيفة للمثقف منذ القدم. تفاعل المثقف، في ملحمة مع مجتمعه
-يبقى السياسي على طول الخط، بحاجة الى المثقف كهادي له، ومسدد لخطاه، وناقداً له، وقد يعمل السياسي لتحويل المثقف الى بوق، أو فرشاة لتلميع صورته، فيبقى المثقف بين التبعية والنقد… فعندما يكون المثقف –تابعاً- يخسر نفسه ومجتمعه وصفته النقدية، لسبب خضوعه لمغريات السياسي، فتكون الثقافة متدنية.
أما عندما يقف السياسي على باب المثقف، فتكون الأمة بخير، لان الثقافة بخير.
-تعتمد الأزمة على عناصر التضاد، من خلال معادلة ثنائية:
الاولى (عمودية) تتشكل فيها طموح –السياسي- لتأكيد مبدأ السيطرة بطروحات تتبنى خلفية التشكيل أو النظم التي صنعت منه معادل موضوعي ليبدأ (المنصب) خلاصة لكل المعارك التي ناضلها لأجل الأستحواذ والهيمنة، لتأكيد الربط الجدلي بين السياسي، والسلطة التي بمعناها الأخر (القوة)، أما المعادلة (الافقية) فهي ترسم من خلالها الثوابت المطلوبة وفق سياسات تحدد نسبية البعد والقرب –الزمانية والمكانية- لما تتطلبه من أحداثيات تحدد المواقع المطلوبة، وهذا في حد ذاته أقصاء متعمد يبتدأ بفعل التهميش وخلق أزمة ثقة لعدم تطابق الرؤى، فيبدو أنهما خطان متوازيان لأفعال لا تتطابق وذلك لوجود فجوة لا يمكن ردمها بسهولة، لتترك ندوب التفاعلات الجانبية وترسم بيانات تعتمد في أصلها على الحاجة المشتركة، وهو تأسيس هجيني مشوه.
-من البديهي أن المثقف يمتلك القدرة والقابلية العالية في نشر المفاهيم والقيم والمثل العليا التي من شأنها أن ترتقي بالبلاد نحو التطور والرفاه، وذلك لالمامه بكل مجريات الاحداث وتشخيص السلبيات وأيجاد الحلول الناجحة لها، لكي يكون البناء رصيناً لا تشوبه الاردان.
وعلى السياسي أن يكون متظافراً بالجهد والعطاء مع المثقف لتكون العملية السياسية قوية وقادرة على أنشاء مفاهيم حقيقية وفق أسس متينة، لا أن يترفع عليه ويقلل من شأنه وقيمته الاعتبارية في عملية البناء والتغيير.

لغته بشكل جذري من حيث مثاليتها وصرامتها وحتى مفرداتها عن لغة السياسي.

  1. أضف تعليق

أضف تعليق