ما بين مفهوم الانتماء والولاء

ما بين مفهوم الانتماء والولاء

الدكتور/ خضر عباس

الانتماء في اللغة يعني الزيادة ويقال انتمى فلان إلى فلان إذا ارتفع إليه في النسب. وفي الاصطلاح هو الانتساب الحقيقي للدين والوطن، فكراً تجسده الجوارح عملاً . والانتماء شعور داخلي يجعل المواطن يعمل بحماس وإخلاص للارتقاء بوطنه وللدفاع عنه.. أو هو إحساس تجاه أمر معين، يبعث على الولاء له، واستشعار الفضل في السابق واللاحق. ومن مقتضيات الانتماء أن يفتخر الفرد بالوطن، ويدافع عنه ويحرص على سلامته.. لان من لوازم المواطنة الانتماء للوطن، حيث ان للمواطنة عناصر ومكونات أساسية ينبغي أن تكتمل حتى تتحقق المواطنة والانتماء للوطن احد هذه المكونات. والانتماء مفهوم يشير إلى الانتساب لكيان ما، يكون الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه، باعتباره عضواً مقبولاً به، وله شرف الانتساب إليه، ويشعر بالأمان فيه، وقد يكون هذا الكيان جماعة، طبقة، شعب، امة، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء، والذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه، والذي استحالة حياة الفرد بلا انتماء، ذلك الذي يبدأ مع الإنسان منذ لحظة الميلاد صغيراً بهدف إشباع حاجته الضرورية، وينمو هذا الانتماء بنمو ونضوج الفرد إلى أن يصبح انتماءً للمجتمع الكبير الذي عليه أن يشبع حاجات أفراده. والإنسان لا يمكن أن يحقق الشعور بالمكانة والأمن والقوة والحب والصداقة إلا من خلال الجماعة، فالسلوك الجمعي لا يكتسب معناه إلا في موقف اجتماعي، فالجماعة تقدم للفرد مواقف عديدة يستطيع من خلالها أن يظهر فيها مهاراته وقدراته، علاوة على أن شعور الفرد بالرضا الذي يستمده من انتمائه في الجماعة يتوقف على الفرص التي تتاح له كي يلعب دوره بوصفه عضواً من أعضائها، والانتماء يسعى إلى توطيد الهوية، وهي في المقابل دليل على وجوده، ومن ثم تبرز سلوكيات الأفراد كمؤشرات للتعبير عن الهوية، وبالتالي الانتماء. . وهناك علاقة جدلية بين الانتماء، وجماعة الانتماء..حيث ان الانتماء مفهوم نفسي، اجتماعي، فلسفي، وهو نتاج العملية الجدلية التبادلية بين الفرد والمجتمع، أو الجماعة التي يفضلها المنتمي، باعتباره ذا طبيعة نفسية اجتماعية، حيث إن وجود الجماعة أو المجتمع هام جداً كعالم ينتمي إليه الفرد، حيث يعبر عن الانتماء بالحاجة إلى التجمع والرغبة في أن يكون الفرد مرتبطاً أو يكون في حضور الآخرين، وتبدو هذه الحاجة وكأنها عامة بين أفراد البشر..وعليه لا انتماء بلا حب، فالحب هو جوهر الانتماء . ويفضل أن تكون جماعة الانتماء بمثابة كيان أكبر وأشمل وأقوى لتكون مصدر فخر واعتزاز للفرد، وأن يكون الفرد العضو في جماعة الانتماء في حالة توافق متبادل معها ليتم التفاعل الإيجابي بينهم . ويعبر عن جماعة الانتماء بالجماعة المرجعية، حيث يتوحد معها الفرد ويستخدمها معياراً لتقدير الذات، ومصدراً لتقويم أهدافه الشخصية، وقد تشمل الجماعة المرجعية كل الجماعات التي ينتمي إليها الفرد كعضو فيها. وعلى الفرد أن يثق ويعتنق معايير ومبادئ، وقيم الجماعة التي ينتمي إليها ومن ثم يحترمها ويلتزم بها . وعليه كذلك نصرة الجماعة التي ينتمي إليها، والدفاع عنها وقت الحاجة والتضحية في سبيلها إذا لزم الأمر مقابل أن توفر الجماعة له الحماية والأمن والمساعدة . وأن يكون توحد الفرد مع الجماعة ضمن إطار ثقافي مشترك، وتعتبر اللغة والمعايير الثقافية الأخرى عناصر أساسية للجماعة، ويتحدد مدى الانتماء بدرجة التمسك بها . والانتماء بمثابة حاجة أساسية (إنسانية، طبيعة سيكولوجية) في البناء النفسي، باعتباره خاصية نفسية اجتماعية والانتماء متعدد الأنماط، اتساعاً وضيقاً، تباعداً وتكاملاً، وللتنشئة الاجتماعية دور إما في إضعاف الانتماء أو تقويته، إذ عن طريقها يتشبع الفرد بالقيم المعززة للانتماء ومفردات الثقافة كاللغة والفكر والفن . ويتأثر الانتماء بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، ولذلك فإن أنماط السلوك التي يصعب تفسيرها أو تبريرها أحياناً ما تكون نتيجة لفشل الفرد في الشعور بالانتماء وإحساسه بالعزلة عن الجماعة . وإذا أنكر المجتمع على الفرد إشباع حاجاته، فإنه قد يتخذ موقفاً سلبياً إن لم يكن أحياناً عدائياً للمجتمع، إذ قد يلجأ إلى مصادر بديلة، يوجه إليها اهتمامه وانتماءه، وقد تكون مصادر غير مرغوب فيها أحياناً، ولها عواقبها السيئة على كل من الفرد والمجتمع . ويشير ضعف الانتماء إلى الاغتراب وما يصاحبه من مظاهر السلبية واللامبالاة نحو المجتمع، وغالباً كلما زاد عطاء المجتمع لإشباع حاجات الفرد، كلما زاد انتماء الفرد إليه، والعكس صحيح إلى حد ما . والانتماء يؤدي إلى نمو الذات وتحقيقها، وكذا تحقيق تميز الفرد وفرديته، وتماسك المجتمع . والانتماء يدعم الهوية باعتبارها الإدراك الداخلي الذاتي للفرد، محددة بعوامل خارجية يدعمها المجتمع، والانتماء وهو الشعور بهذه العوامل، ويترجم من خلالها أفعال وسلوكيات تتسم بالولاء لجماعة الانتماء أو المجتمع.. وللانتماء أبعاد حددها البعض بثمانية هي:(الأمان– التوحد – التقدير الاجتماعي– الرضا عن الجماعة – تحقيق الذات – المشاركة– القيادة – الإطار المرجعي) وبينها جميعاً قدر من الانسجام ويمكن من خلالها دراسة دوافع الانتماء.. والانتماء باعتباره قيمة جوهرية متعدد المستويات بتعدد أبعاد القيمة (وعي، وجدان، سلوك)، فهو (مادي) لحظة عضوية الفرد في الجماعة، و(معلن) لحظة تعبير الفرد عنه لفظياً مؤكداً مشاعره تجاه جماعة الانتماء، و(سلوكي) عندما يتخذ الفرد مواقف سلوكية حيال جماعة الانتماء، وقد تكون هذه المواقف إيجابية تعبر عن قوة الانتماء، أو سلبية تعبر عن ضعف الانتماء . الانتماء الحقيقي :يكون فيه لدى الفرد وعي حقيقي لأبعاد الموقف، والظروف المحيطة بوطنه داخلياً وخارجياً، ويكون مدركاً لمشكلات وقضايا وطنه، وقادراً على معرفة أسبابها الحقيقية وطبيعة هذه المشكلات، وموقفه منها، والاكتراث بآرائها ونتائجها، ويكون المنتمي هنا مع الأغلبية ويعمل لصالحها، ويؤمن بأن مصلحة الأغلبية والعمل من أجل الصالح العام وسلامة المجتمع ونموه وتطوره، هو الهدف الذي يجب أن يسمو على الفردية والأنانية . الانتماء الزائف :هو ذاك الانتماء المبني على وعي زائف، بفعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي قد تشوه حقيقة الواقع في عقول المواطنين، وبالتالي قد تصبح رؤيتهم للأمور والمواقف غير حقيقية وغير معبرة عن الواقع الفعلي، ومن ثم يصبح الوعي والإدراك لهذا الواقع وعياً مشوهاً وبالتالي ينبثق عنه انتماء زائف ضعيف . الانتماء لفئة بعينها :وهنا يعمل الفرد على مصالح الفئة التي ينتمي إليها دون سواها من الفئات داخل المجتمع الواحد، وبالرغم من أن وعيه بها وعي حقيقي وانتماءه لها انتماء حقيقي، إلا أنه قياساً على انتمائه للمجتمع ككل فهو وعي غير حقيقي وانتماء غير حقيقي، لأنه يعمل وينتمي لجزء من الكل فقط، فلا يعي ولا يدرك ولا يعمل إلا لصالح هذا الجزء، ويترتب على ذلك آثار وخيمة من تفتيت لبنية المجتمع وربما كان سببا لوجود الصراع بين فئاته، ويزداد حدةً كلما ازدادت الهوة بين هذه الفئات والمحصلة النهائية تدهور المجتمع وتفككه ، إذ ستعمل كل فئة في الغالب الأعم لصالحها هي فقط، ولو على حساب غيرها من الفئات . في حين أن الانتماء يلعب الدور الأساس في تشكيله العديد من القوى الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية التي قد لا يمكن السيطرة عليها، إذ يتم ذلك في الأسر والقبائل والعشائر، و من خلال الدوائر الفكرية والدينية التي ربما تفضي أحيانا إلى ممارسات مناوئة لمبدأ المواطنة ذاته . الانتماء للوطن :هو اتجاه إيجابي مدعم بالحب يستشعره الفرد تجاه وطنه ، مؤكداً وجود ارتباط وانتساب نحو هذا الوطن – باعتباره عضواً فيه – ويشعر نحوه بالفخر والولاء ، ويعتز بهويته وتوحده معه ، ويكون منشغلاً ومهموماً بقضاياه ، وعلى وعي وإدراك بمشكلاته ، وملتزماً بالمعايير والقوانين والقيم الموجبة التي تعلي من شأنه وتنهض به ، محافظاً على مصالحه وثرواته ، مراعياً الصالح العام ، ومشجعاً ومسهماً في الأعمال الجماعية ومتفاعلاً مع الأغلبية ، ولا يتخلى عنه حتى وإن اشتدت به الأزمات . الانتماء مفهوم أضيق في معناه من الولاء..فهو قد لا يتضمن بالضرورة الولاء، فقد ينتمي الفرد إلى وطن معين ولكنه يحجم عن العطاء والتضحية من أجله. الولاء: الولاء جوهر الالتزام، يدعم الهوية الذاتية، ويقوي الجماعية، ويركز على المسايرة ، ويدعو إلى تأييد الفرد لجماعته ويشير إلى مدى الانتماء إليها، ومع أنه الأساس القوي الذي يدعم الهوية، إلا أنه في الوقت ذاته يعتبر الجماعة مسؤولة عن الاهتمام بكل حاجات أعضائها من الالتزامات المتبادلة للولاء، بهدف الحماية الكلية . والولاء لا يولد مع الإنسان وإنما يكتسبه من مجتمعه ولذلك فهو يخضع لعملية التعلم فالفرد يكتسب الولاء “الوطني” من بيته أولاً ثم من مدرسته ثم من مجتمعه بأكمله حتى يشعر الفرد بأنه جزء من كل. الولاء في مفهومه الواسع يتضمن الانتماء، فلن يحب الفرد وطنه ويعمل على نصرته والتضحية من أجله إلا إذا كان هناك ما يربطه به. ما بين الولاء والانتماء: الانتماء والولاء، أحدهما جزء من الآخر أو مكمِّل له، والولاء متضمن في الانتماء، والانتماء أساس الوطنية.. ولذا فالولاء والانتماء قد يمتزجان معاً حتى أنه يصعب الفصل بينهما، والولاء هو صدق الانتماء، وكذلك الوطنية فهي الجانب الفعلي أو الحقيقي للمواطنة.

  1. أضف تعليق

أضف تعليق